«الصندوق السيادي» محور الملف النفطي في المرحلة المقبلة
بروفسور جاسم عجاقة
Monday, 09-Jan-2017 00:34
ثلاثة أعوام ومرسوما النفط عالقان في أدراج مجلس الوزراء من دون قدرة على إقرارهما نتيجة الخلاف السياسي. اليوم ومع إكتمال إعادة تكوين السلطة التنفيذية وإقرار هذين المرسومين، يُطرح السؤال عن مصير الصندوق السيادي الذي يبقى محوراً رئيساً في الملف النفطي اللبناني نظراً الى حجم الثروة النفطية اللبنانية.
الصندوق السيادي هو عبارة عن صندوق إستثماري لأموال الدولة يتمّ إستثماره في الأسواق المالية. وفي نظرة ضيّقة، يُمكن إعتبار الصندوق السيادي كمجموع أصول الدولة في العملات الأجنبية.
أول صندوق سيادي في العالم تمّ إنشاؤه في الكويت في العام ١٩٥٣، وأخذت الدول من بعدها بإنشاء صناديق حتى أصبح عددها اليوم ٥٦ صندوقاً. هذا الاهتمام بالصناديق السيادية إزداد مع الوقت نظراً لما لها من تداعيات إيجابية على عدّة أصعدة.
وبالنظر إلى بعض البلدان التي أنشأت صناديق سيادية ومراقبة تاريخ تطوّرها الاقتصادي والإجتماعي، نرى أنّ هذه البلدان أمّنت مُستقبلها ومُستقبل أجيالها القادمة على مثال دولة قطر التي وبفضل صندوقها السيادي (Qatar Investment Authority)، ستتمكّن من تمويل ميزانيتها بالكامل من عائدات هذا الصندوق بحلول العام ٢٠٢٠.
هذا الأمر يفرض بالطبع أنّ مداخيل الدولة من الثروات الطبيعية (نفط، غاز، معادن...) كما والهبات والفائض في الموازنة، تذهب بالكامل إلى صندوق سيادي تحت وصاية الدولة، ويُخلق بواسطة قانون في مجلس النواب.
وتتمّ إدارة هذا الصندوق من قبل مجلس يضمّ أعضاء من الحكومة (وزير المال، وزير الإقتصاد...)، حاكم مصرف لبنان، وممثلين من القطاع الخاص بالتساوي مع الأعضاء من الحكومة وحاكم مصرف لبنان. وتُعهَد إدارته إلى مصارف استثمارية عالميّة على أن يتمّ إستخدام عائداته في الإستثمارات في القطاعات الإنتاجية وفي البنى التحتية على كافة الأراضي الوطنية.
والمعروف أنّ الصندوق السيادي الذي هو تحت وصاية الدولة، يُخلَق بواسطة قانون من مجلس النواب أو يُقرّ في الدستور. وتتمّ إدارة هذا الصندوق من قبل مجلس يضمّ أعضاء من الحكومة (وزير المال، وزير الإقتصاد...)، حاكم مصرف لبنان، وممثلين من القطاع الخاص بالتساوي مع الأعضاء من الحكومة وحاكم مصرف لبنان. وتُعهَد إدارته إلى مصارف استثمار عالميّة على أن يتمّ تنويع الاستثمارات على القطاعات، المناطق الجغرافية وعلى العملات.
التجارب التي رافقت إنشاء أوّل صناديق إستثمارية في العالم أظهرت أنّ هناك مخاطر تواكب عمل الصندوق وعلى رأسها الخوف على قيمة الأصول، نقص في الشفافيّة، الأخلاقيات في الاستثمارات... لكن مع الوقت تمّ تفادي كلّ هذه المخاطر عبر وضع قيود على إدارة الصندوق.
الفوائد التي تنتج عن الصندوق السيادي عديدة تمّ إثباتها علمياً من خلال العديد من الدراسات البنك الدولي كما وشركات الدراسات (PWC…). ويُمكن إختصار هذه الفوائد بفوائد مالية، إقتصادية، إجتماعية وإدارية:
أولاً على الصعيد المالي: الصندوق السيادي يسمح بتخفيف كلفة الإقتراض على الدولة. فالمُستثمرون في سندات الخزينة ينظرون إلى إحتمال تخلّف الدولة عن الدفع كعامل أساسي يُحدَد من خلاله الإستثمار في هذه السندات أو لا. وإذا ما تمّ إختيار الإستثمار فيها، فإنّ وجود الصندوق يُقلّل حكماً من سعر الفائدة على هذه السندات وبالتالي من حجم خدمة الدين العام.
ثانياً على الصعيد الإقتصادي: يُساعد الصندوق السيادي في حماية الاقتصاد من التضخّم، فدخول العملات الأجنبية من الخارج إلى الاقتصاد الوطني والناتج عن الصادرات النفطية والغازية، يرفع من التضخم بحكم الإستهلاك المحلّي الناتج عن هذه الأموال.
أيضاً يُمكن القول إنّ توافد رؤوس الأموال إلى بلد مُعيّن، يزيد من الودائع في المصارف التجارية مما يدفع هذه الأخيرة إلى زيادة عرضها من القروض وبالتالي تُشكّل ضغطاً على العملة الوطنية.
الآلية التي يلجم من خلالها الصندوق السيادي التضخم هي بكلّ بساطة آلية تخفيف تدفق صافي الأموال بالعملات الأجنبية الى الاقتصاد الوطني. فالمعروف أنّ الصندوق السيادي والذي يستثمر عادة في إقتصادات خارجية، يُخفف من وطأة دخول الأموال بالعملات الأجنبية وبالتالي يلجم التضخم.
أيضاً، المعروف أنّ المرض الهولندي الذي يضرب الإقتصادات التي تُصدّر النفط والغاز هو نتيجة أكيدة لتقوية العملة الوطنية على حساب الصادرات الصناعية التي تفقد تنافسيّتها بسبب قوة العملة الوطنية.
وإذا ما أضفنا التضخّم الذي ينتج عن تدفق العملات الصعبة، نرى أنّ الصادرات التقليدية (صناعية، زراعية، وخدماتية) تفقد تنافسيّتها مع نظيراتها من الدول الأخرى بحكم أنّ كلفة الإنتاج ترتفع حكماً مع التضخّم. وبالتالي فإنّ الصندوق السيادي يدفع إلى حفظ الثروة بالعملات الصعبة في الخارج وبالتالي يُخفف الضغط على العملة الوطنية ممّا يعني تحسين قدرة الدولة على التصدير.
أيضاً يُمكن القول إنّ إستثمار عائدات الصندوق في القطاعات الإنتاجية له مفعول إيجابي من ناحية تقوية الماكينة الإقتصادية التي ستستفيد من هذه العائدات (بغض النظر عن حجمها).
وإذا ما ترافق ضخ هذه العائدات في الاقتصاد مع خطّة إقتصادية تسمح بتنويع الماكينة الإقتصادية وتوزيعها بشكل عادل بين المناطق كافة، فإنّ الناتج المحلّي الإجمالي سينمو بشكل كبير كنتيجة لهذه الإستثمارات وبالتالي فإنّ الفائض المُحقّق من الموازنة يُستخدَم في سدّ الدين العام وزيادة الإستثمارات.
ثالثاً على الصعيد الإجتماعي: إنّ إستمثار عائدات الصندوق السيادي بشكل يسمح بتأمين إنماء متوازن، يؤدّي بدون أدّنى شكّ إلى عدالة إجتماعية أفضل وذلك من خلال خلق وظائف في جميع المناطق وبالتالي توزيع الثروة المخلوقة بواسطة الماكينة الإقتصادية بشكل عادل على جميع أفراد المجتمع. كما أنّ الإستثمارات في البنى التحتية تؤمّن رخاءً إجتماعياً كبيراً يستفيد منه المواطن على مثال خلق ترامواي أو جسور أو سدود أو طرقات...
رابعاً على الصعيد الإداري: إمتلاك صندوق سيادي يفرض إمتلاك سياسة مالية شفّافة وبالتالي يزيد من الشفافية ومن الحوكمة الرشيدة. وبحسب شركة PWC، فإنّ دخول مداخيل النفط والغاز إلى الصندوق السيادي يُقلّل من سلطة السياسيين على هذه الأموال.
أيضاً يُمكن القول إنّ إدارة صندوق سيادي ليست بالأمر السهل، إذ تتطلّب مهارات في مجال الإدارة المالية والتخطيط لمواكبة التغييرات الإقتصادية والإجتماعية والمالية التي يفرضها إمتلاك صندوق سيادي. وهذا يزيد حكماً من نوعية الإدارة العامّة.
من كلّ ما تقدّم، نستنتج أنّ إستخراج النفط والغاز في لبنان، لا يُمكنه أن يكون سليماً بغياب الصندوق السيادي. والسبب يعود إلى أنّ تحويل مداخيل النفط والغاز إلى خزينة الدولة سيؤدّي حكماً إلى خسارة هذه الأموال مع الهدر والفساد وغياب الخطط الإقتصادية للنهوض بالإقتصاد اللبناني. هذا الأمر يعني أنّ النفط والغاز المُستخرَج لن يتمّ إستخدامه كما يجب للإنماء وبالتالي فإنّ الأجيال المُستقبَلية لن تستطيع الإستفادة من هذه الثروة التي ستختفي في فترة لا تزيد عن ٩٠ عاماً. فإذا لم نترك لهم ماكينة إقتصادية قويّة ومُتنوّعة، ماذا سنترك لهم؟
أول صندوق سيادي في العالم تمّ إنشاؤه في الكويت في العام ١٩٥٣، وأخذت الدول من بعدها بإنشاء صناديق حتى أصبح عددها اليوم ٥٦ صندوقاً. هذا الاهتمام بالصناديق السيادية إزداد مع الوقت نظراً لما لها من تداعيات إيجابية على عدّة أصعدة.
وبالنظر إلى بعض البلدان التي أنشأت صناديق سيادية ومراقبة تاريخ تطوّرها الاقتصادي والإجتماعي، نرى أنّ هذه البلدان أمّنت مُستقبلها ومُستقبل أجيالها القادمة على مثال دولة قطر التي وبفضل صندوقها السيادي (Qatar Investment Authority)، ستتمكّن من تمويل ميزانيتها بالكامل من عائدات هذا الصندوق بحلول العام ٢٠٢٠.
هذا الأمر يفرض بالطبع أنّ مداخيل الدولة من الثروات الطبيعية (نفط، غاز، معادن...) كما والهبات والفائض في الموازنة، تذهب بالكامل إلى صندوق سيادي تحت وصاية الدولة، ويُخلق بواسطة قانون في مجلس النواب.
وتتمّ إدارة هذا الصندوق من قبل مجلس يضمّ أعضاء من الحكومة (وزير المال، وزير الإقتصاد...)، حاكم مصرف لبنان، وممثلين من القطاع الخاص بالتساوي مع الأعضاء من الحكومة وحاكم مصرف لبنان. وتُعهَد إدارته إلى مصارف استثمارية عالميّة على أن يتمّ إستخدام عائداته في الإستثمارات في القطاعات الإنتاجية وفي البنى التحتية على كافة الأراضي الوطنية.
والمعروف أنّ الصندوق السيادي الذي هو تحت وصاية الدولة، يُخلَق بواسطة قانون من مجلس النواب أو يُقرّ في الدستور. وتتمّ إدارة هذا الصندوق من قبل مجلس يضمّ أعضاء من الحكومة (وزير المال، وزير الإقتصاد...)، حاكم مصرف لبنان، وممثلين من القطاع الخاص بالتساوي مع الأعضاء من الحكومة وحاكم مصرف لبنان. وتُعهَد إدارته إلى مصارف استثمار عالميّة على أن يتمّ تنويع الاستثمارات على القطاعات، المناطق الجغرافية وعلى العملات.
التجارب التي رافقت إنشاء أوّل صناديق إستثمارية في العالم أظهرت أنّ هناك مخاطر تواكب عمل الصندوق وعلى رأسها الخوف على قيمة الأصول، نقص في الشفافيّة، الأخلاقيات في الاستثمارات... لكن مع الوقت تمّ تفادي كلّ هذه المخاطر عبر وضع قيود على إدارة الصندوق.
الفوائد التي تنتج عن الصندوق السيادي عديدة تمّ إثباتها علمياً من خلال العديد من الدراسات البنك الدولي كما وشركات الدراسات (PWC…). ويُمكن إختصار هذه الفوائد بفوائد مالية، إقتصادية، إجتماعية وإدارية:
أولاً على الصعيد المالي: الصندوق السيادي يسمح بتخفيف كلفة الإقتراض على الدولة. فالمُستثمرون في سندات الخزينة ينظرون إلى إحتمال تخلّف الدولة عن الدفع كعامل أساسي يُحدَد من خلاله الإستثمار في هذه السندات أو لا. وإذا ما تمّ إختيار الإستثمار فيها، فإنّ وجود الصندوق يُقلّل حكماً من سعر الفائدة على هذه السندات وبالتالي من حجم خدمة الدين العام.
ثانياً على الصعيد الإقتصادي: يُساعد الصندوق السيادي في حماية الاقتصاد من التضخّم، فدخول العملات الأجنبية من الخارج إلى الاقتصاد الوطني والناتج عن الصادرات النفطية والغازية، يرفع من التضخم بحكم الإستهلاك المحلّي الناتج عن هذه الأموال.
أيضاً يُمكن القول إنّ توافد رؤوس الأموال إلى بلد مُعيّن، يزيد من الودائع في المصارف التجارية مما يدفع هذه الأخيرة إلى زيادة عرضها من القروض وبالتالي تُشكّل ضغطاً على العملة الوطنية.
الآلية التي يلجم من خلالها الصندوق السيادي التضخم هي بكلّ بساطة آلية تخفيف تدفق صافي الأموال بالعملات الأجنبية الى الاقتصاد الوطني. فالمعروف أنّ الصندوق السيادي والذي يستثمر عادة في إقتصادات خارجية، يُخفف من وطأة دخول الأموال بالعملات الأجنبية وبالتالي يلجم التضخم.
أيضاً، المعروف أنّ المرض الهولندي الذي يضرب الإقتصادات التي تُصدّر النفط والغاز هو نتيجة أكيدة لتقوية العملة الوطنية على حساب الصادرات الصناعية التي تفقد تنافسيّتها بسبب قوة العملة الوطنية.
وإذا ما أضفنا التضخّم الذي ينتج عن تدفق العملات الصعبة، نرى أنّ الصادرات التقليدية (صناعية، زراعية، وخدماتية) تفقد تنافسيّتها مع نظيراتها من الدول الأخرى بحكم أنّ كلفة الإنتاج ترتفع حكماً مع التضخّم. وبالتالي فإنّ الصندوق السيادي يدفع إلى حفظ الثروة بالعملات الصعبة في الخارج وبالتالي يُخفف الضغط على العملة الوطنية ممّا يعني تحسين قدرة الدولة على التصدير.
أيضاً يُمكن القول إنّ إستثمار عائدات الصندوق في القطاعات الإنتاجية له مفعول إيجابي من ناحية تقوية الماكينة الإقتصادية التي ستستفيد من هذه العائدات (بغض النظر عن حجمها).
وإذا ما ترافق ضخ هذه العائدات في الاقتصاد مع خطّة إقتصادية تسمح بتنويع الماكينة الإقتصادية وتوزيعها بشكل عادل بين المناطق كافة، فإنّ الناتج المحلّي الإجمالي سينمو بشكل كبير كنتيجة لهذه الإستثمارات وبالتالي فإنّ الفائض المُحقّق من الموازنة يُستخدَم في سدّ الدين العام وزيادة الإستثمارات.
ثالثاً على الصعيد الإجتماعي: إنّ إستمثار عائدات الصندوق السيادي بشكل يسمح بتأمين إنماء متوازن، يؤدّي بدون أدّنى شكّ إلى عدالة إجتماعية أفضل وذلك من خلال خلق وظائف في جميع المناطق وبالتالي توزيع الثروة المخلوقة بواسطة الماكينة الإقتصادية بشكل عادل على جميع أفراد المجتمع. كما أنّ الإستثمارات في البنى التحتية تؤمّن رخاءً إجتماعياً كبيراً يستفيد منه المواطن على مثال خلق ترامواي أو جسور أو سدود أو طرقات...
رابعاً على الصعيد الإداري: إمتلاك صندوق سيادي يفرض إمتلاك سياسة مالية شفّافة وبالتالي يزيد من الشفافية ومن الحوكمة الرشيدة. وبحسب شركة PWC، فإنّ دخول مداخيل النفط والغاز إلى الصندوق السيادي يُقلّل من سلطة السياسيين على هذه الأموال.
أيضاً يُمكن القول إنّ إدارة صندوق سيادي ليست بالأمر السهل، إذ تتطلّب مهارات في مجال الإدارة المالية والتخطيط لمواكبة التغييرات الإقتصادية والإجتماعية والمالية التي يفرضها إمتلاك صندوق سيادي. وهذا يزيد حكماً من نوعية الإدارة العامّة.
من كلّ ما تقدّم، نستنتج أنّ إستخراج النفط والغاز في لبنان، لا يُمكنه أن يكون سليماً بغياب الصندوق السيادي. والسبب يعود إلى أنّ تحويل مداخيل النفط والغاز إلى خزينة الدولة سيؤدّي حكماً إلى خسارة هذه الأموال مع الهدر والفساد وغياب الخطط الإقتصادية للنهوض بالإقتصاد اللبناني. هذا الأمر يعني أنّ النفط والغاز المُستخرَج لن يتمّ إستخدامه كما يجب للإنماء وبالتالي فإنّ الأجيال المُستقبَلية لن تستطيع الإستفادة من هذه الثروة التي ستختفي في فترة لا تزيد عن ٩٠ عاماً. فإذا لم نترك لهم ماكينة إقتصادية قويّة ومُتنوّعة، ماذا سنترك لهم؟
الأكثر قراءة